داية وماشطة



مقدمة كتاب / داية وماشطة
للكاتبة / صفاء عبد المنعم
     للشعب المصرى عاداته وتقاليده المختلفة والعديدة والمتجددة ، فى كل مجال من مجالات الحياة ، ولو تتبعنا ذلك لوجدنا أنه كان يمارس الكثير منها فى اليوم الواحد بشكل تلقائى وطبيعى ، دون الرجوع إلى معاجم أو قواميس لمعرفة أهمية ومدلول ما يقوم به يوميا بشكل واعى أو غير مدرك لمسميات بعينها ، ودون تأويل أو تحريف لمسمى لفظى .
فكانت الجدات والأمهات السابقات يدركن كل شاردة وواردة من هذه التصرفات اليومية ، فهن محملات بوعى شفاهى ، تورثناه جيلا بعد جيل .
وربما نكون نحن آخر جيل ( الستينات) عاش الكثير من هذه العادات والتقاليد ، وكذلك المعتقدات الشعبية ماظهر منها وتجلا فى صورة اليومية ، فمثلا وإلى اليوم مازال البعض يحرص على عدم دخول المرحاض والغناء فيه !
أو أن يذكر اسم الله فيه .
لأنه مكان نجس وتسكنه أرواح شريرة ، ومن يغنى فيه يصاب بداء النسيان بعد ذلك .
وعندما كانت جدتى تعطى جارتنا  طبقا أو المنخل لنخل الدقيق ، كانت تضع لها بداخله لقمة عيش ، حتى لا يدخل الطبق فارغا فهذا فأل سىء.
وعندما كان يقع الطفل على الأرض كانت أمى تجرى وترفعه بسرعة ، وهى تتفتف على الأرض وتسمى وتقول : اسم الله عليك وقعت على إللى أحسن منك .
إن الحضارة المصرية القديمة والعريقة عبر سنوات طويلة  منذ ألاف السنين ، تزخر بالعديد من العادات والتقاليد ، ونلاحظ الآن أنه هناك كل يوم جديد ، عادة تنقرض أو تختفى أو تتحول ، وتظهر عادة أخرى جديدة تحل محلها وواضح ذلك وجلى فى ظاهرة السبوع المصرى .
السبوع المصرى القديم
طوال السبع أيام منذ مولد الطفل حتى يوم السبوع ،هناك عادة أو تقليد يمارس أو معتقد ، بداية من وجود الخلاص وراء الباب ، لسمع ثلاث أذانات ثم القاءه فى ماء جارى (الترعة) كى يكون المولد رزقه كثير فى إدرار اللبن من صدر الأم ، ثم تكبيس الأم بعد الولادة للم جسمها المفتوح ، وطلب الدعاء منها للأحباب ، لأنها محاطة بالملائكة ، وشرب الحلبة بالعسل والسمن لنزول الدم الأسود ، وتنظيف الرحم ، مرورا بتكحيل الطفل فى الصباح وحمومه ، وتحضير ليلة التبيته ، الغربال  والأبريق والسبوع ( بلح أبريمى وفول سودانى وملبس وفشار ) ودق الهون والبخور والسبع حبوب والزفة والغناء( ياملح دارنا كتر عيالنا ) ودحرجة الغربال بعد ذلك ، كل هذه الطقوس وغيرها من التفاصيل الكثيرة وتسمية المولود واختيار اسم له مليئة وزاخرة .
اليوم هناك بعض العائلات أصبحت تنفى وتتعالى على ذلك وتقوم بعمل (عقيقة) وذبح الذبائح ، خروف للبنت وأثنان للولد ،و أنتفى من عندها فرحة الأطفال الصغار بأكياس الحلوى والشموع والغناء (يارب ياربنا يكبر ويبقة قدنا ، ويلعب فى الشارع زينا )، فهى لا يهمها هذا الطقس ( طقس العبور) المتوارث بحجة أن ذلك حرام شرعا ، والدين الإسلامى بعيد كل البعد عن ذلك .
ولقد بدأت الثقافة البداوية ( الصحراوية ) برمالها الصفراء المحايدة ،وأبنة البادية بعاداتها وطقوسها المختلفة عن الحضارة الزراعية النيلية ،أبنة التربة السوداء الطينية ، وتعدد الألوان والخضر ، تزحف بأفكارها الخاصة الجافة ، وتحتل وتتوغل فى نمط تفكير الشعب المصرى ، خاصة بين الكثيرين من الذين عاشوا طويلا فى بلاد الخليج ، فثقافة البترول ( النفط) تحتل مكان ثقافة ( الماء) هناك نفى لأفكار ، وتنميط  لأفكار ، وهذا مايجعل بعض الباحثين يعتقد أن ذلك تطور وتجديدا .
من منا لم يظل مستيقظا (ليلة القدر) ينظرإلى سقف الحجرة ، منتظرا طاقة النور السحرية الربانية كى يطلب منها لعبة أو بسكلته أو ينجح فى الإمتحان وينتظر المسحراتى فى ليالى الشتاء الباردة كى يفتح الشباك ويسمع المسحراتى وهو ينادى ( أصحى يانايم ، ياعباد الله وحدوا الله )وينادى على اسمه ، ويلقى له من الشباك بعض النقود الفضية ، ويسير فى الشوارع مع الأطفال عن أختفاء ( القمر ) يخبط بغطيان الحلل ويغنى ( يبنات الحور سيبوا القمر يدور ) أو يجرى فى الشارع خلف جزار ساحبا جاموسة معلق على رأسها بعض الورود ويغنون ( مندا يابكره بقرشين) ليس الكل القديم سيئا ، ولا كل ماهو جديد جميلا !

حتى العادات والتقاليد الخاصة بالوفاة والغسل ، والدفن  تغيرت .
أولا :منع ذهاب المرأة إلى الترب إلا فى حالات نادرة جدا ، تحريم الصريخ والصويت والشلشلة بالمنديل أو العديد على الميت .
ثانيا : ألغاء الأخمسة والرحمة والأربعين و الذكرى السنوية ،
 وما يتبعها من طقوس وعادات وتقاليد ، فالرحمة كانت تفرق على الفقراء على الترب رحمة ونور على الميت والمقرئين المرتلين كذلك .
ثالثا : أنتشار ظاهرة العذاء فى دار المناسبات بدلا من أقامة السرادقات ، وليس شرطا أن يقام العزاء فى نفس يوم الوفاة ، وأحتمالا أنقراض مهنة
 ( الفراشة ) وشهرت بعض الجوامع والتباهى بالحجز فيها على سبيل المثال ( جامع عمر مكرم ،جامع الحامدية الشاذلية ، جامع أل رشدان وغيرها ) .وتحريم أرتداء الملابس السوداء أكثر من ثلاثة أيام أو أسبوع على الأكثر .
كما أختفت فكرة المشاركة المجتمعية ، صوانى الأكل لأهل الميت ، وغسل الملابس فى اليوم الثالث وتوزيعها على الفقراء .

الأفراح طقس شعبي كان يستعد له أستعدادات كثيرة
أصبحت الفراح تقام فى (صالات) أو (سفن عائمة) بدلا من الشوارع أو أسطح المنازل أو داخل البيوت ، وأختفت الداية والماشطة وظهر مكانها
 (البيوتى سنتر ) وليلة الحنة أختلفت كثيرا عن السابق  ويمكن أن تعقد قبل الفرح بيومين أو ثلاثة .

حتى الحدوتة أو حكاية قبل النوم أختفت من قاموس الأباء والأمهات وتهنين الأطفال ، والغناء لهم ، واللعاب الجماعية فى الشارع مع الآخرين وتنمية روح الجماعة بدلا عن الأعلاء من قيمة الفرد .


الخرافات
بعض البيوت كانت تعلق كوز من الذرة وعروسة القمح على الباب لمنع الحسد ،وكذلك تعليق خمسة وخميسة وقرن شطة وخرزة زرقاء للمولود
حضارة أى أمة  لا تقاس بمساحتها أو كثافة سكانها ، ولكن تقاس بالعمق الزمنى والتاريخى المتجذر فى أعماقها ، إنها الدولة العميقة .
كل هذه الحلام والعادات والتقاليد أخذت عنها العقلية الشعبية كى تفسر بها شيئا مجهولا أو غامضا عليها كظاسترضاء الألهة ، أو السكان السفلين من الجن والعفاريت فى سابع أرض ، كرك بعض الأطعمة التى سقطت على الأرض ، وطبيخ الملائكة الأرز باللبن ، أو أن الأم الوالدة تترك لبن السرسوب يسقط منه بعض القطرات على الأرض قبل أرضاع الطفل الصغير .
المعتقدات
دافع مهم للناس للحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم وممارستها بشكل طقسى واضح والأحتفلات الخاصة أثناء طقوس العبور .
وأعتقاد البعض فى فكرة التشائم والتفاؤل من أشياء أو طيور أو حيوانات ،الحذاء المقلوب ، الغراب الأسود ، البومة ،وغيرها .
وأحيانا الجماعة الشعبية تعيد أنتاج وبث هذه المعتقدات حسب الظروف وشروط الحياة المعاشة .
والمعتقد الشعبى للسحر وخاصة الأسود كثيرة وفى الحكايات الشعبية فكرة أمنا الغولة والنداهة وجنية الساقية وأم الشعور ،وكذلك التحولات ، والكائنات الخرافية مثل(  طائر الفنيق )الذى يخرج من الرماد كل ذلك سمعنا عنه ونحن أطفال صغار .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أغنية أنا سندباد

أغنية نحن القدماء المصريين

لعبة فتحى ياوردة الجديدة